وردت في سفر صموئيل الأول بالتوراة ، قصة عجيبة عن حفني و فنحاس ابني الكاهن عالي .
هذان كانا شابين مملوءين بالطموح ، وحب النعمة ، و المناصب . وعلى عكس أبيهما الزاهد ، المشغول بقضايا شعبه ، و بأعدائه من الفلسطينيين ، غرق الفتيان في بحار اللذة المحرمة مع النساء اللائي يقدمن إلى المعبد ، واستوليا على ممتلكات الغير ، بما فيها القرابين التي يقدمها شعب إسرائيل لإلهه.
لم يتركوا منكرا إلا اقترفوه ، و لا إثما إلا ذاقوه !
كان منصب أبيهما حاجزا ضد أي معارضة و محاسبة!
الكاهن الأب الطاعن يقيم في المعبد غالب وقته ، وهما ينتهزان تقدمه في السن ، ويقومان بالكهانة في أسوأ صورها حتى امتلأت بطونهما من الحرام و فاضت خزائنها من السلب و النهب !
أخيرا وصلت إلى أذني العجوز بعضا من فضائحهما ، فانزعج ، و ارتبك , ودعاهما ليقول :
( لماذا تعملون هذه الأمور ، لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب ، لا يا بنى لأنه ليس حسنا الخبر الذي أسمع......... ولم يسمعوا لصوت أبيهم لأن الرب شاء أن يميتهم .و أما الصبي صموئيل فتزايد نموا و صلاحا لدى الرب و الناس أيضا .... ) سفر صموئيل الأول - الإصحاح الثاني
لا شك أن لهجة الأب كانت رخوة ، ممزوجة بالشفقة و الرحمة من أب لأبنائه ، وليس من رجل يحمل أمانة شعب على كتفيه ، لم ترد في نصيحته كلمة عنيفة أو تهديد بعقاب ، لهذا انتهت الفقرة بأنهم لم يلقوا بالا للكلام اللين ، و اندفعوا في طريق الغواية مستغلين جاه الأب ! ثم تبشر بظهور صموئيل المخلص ، الذي يعده الله لورائة بيت عالي !
ولأن الرب لا يجامل ، فقد أرسل الملاك إلى عالي ليقرعه و يخبره بانتهاء بيته و موت ابنيه لأنهما خانا التعاليم ، و احتقرا الشعب.
( و الآن يقول الرب حاشا لي ، فاننى أكرم الذين يكرمونني ،والذين يحقرونني يصغرون ، هوذا تأتى أيام أقطع ذراعك وذراع بيت أبيك حتى لا يبقى شيخ في بيتك......) صموئيل الأول- الإصحاح الثاني
وتنتقل رعاية الله إلى صموئيل ، فيكلمه ، ويدرك عالي أنها النهاية ، و أن حفني و فنحاس اللذين فرح يهما قلبه ، كتبا على بيته الشقاء إلى الأبد .
أحس بالعجز ، و استسلم للحزن ، لأنه لم يتمكن من هزيمة قلبه ، و منعه الحنان و العطف أن يتخذ موقفا صلبا !
هكذا سارت الأحداث بسرعة درامية ، و تتحدث التوراة عن حرب ضروس اشتعلت بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، قتل فيها الشابين المثيرين للجدل ، و لنقرأ التصوير الرائع للحظة وصول النبأ المفجع إلى الأب المكلوم :
( فسمع عالي صوت الصراخ فقال ماهو صوت الضجيج هذا. فأسرع الرجل و أخبر عالي . وكان عالي ابن ثمان و تسعين سنة و غامت عيناه و لم يقدر أن يبصر.فقال الرجل لعالي أنا جئت من الصف وأنا هربت اليوم من الصف. فقال وكيف كان الأمر يا بنى .فأجاب المخبر وقال هرب إسرائيل أمام الفلسطينيين وكانت أيضا كسرة عظيمة في الشعب ومات أيضا ابناك حفني و فنحاس و أخذ تابوت الله .وكان لما ذكر تابوت الله أنه سقط عن الكرسي إلى الوراء إلى جانب الباب فانكسرت رقبته و مات .لأنه كان رجلا شيخا و ثقيلا و قد قضى لإسرائيل أربعين سنه. ) صموئيل الأول / إصحاح رابع
زال بيت عالي تماما ، بعد أربعين عاما طويلة ، أغرت بالفساد و أوحت بالدوام و الخلود ، و في ومضة واحدة لم يعد على قيد الحياة منهم سوى أخبار عن استغلال النفوذ ، و الكفر بالنعمة .
وانتقلت كهانة إسرائيل إلى صموئيل الطيب المكرس منذ طفولته للخدمة ، فجعل همه إعادة تنظيم الصفوف ، ومصالحة الرب و الشعب ، و قد نجح في مهمته ، واستطاع أن يستعيد التابوت المسلوب ، كرمز للعودة إلى طريق الحق